أمـــــــاهُ
طالما ناديتك بلساني فكانت كلمة أمي أحلى ما يتنغم به الماء ، و أعذب ما يترنم به الطير ، و أجود ما يستنزله المرء من مزن السماء . إياك أنادي فينمحي طيلسان ليلى ، و إياك أناجي فتشرق شمس سمائي البهيم.
أهتف باسمك فيحضر بلسم جراحي و تحصل سلوه أشجاني ، أناجيك فيرحل يأسي ليحل أملي و رجائي. اردد كلمة أمي فاستوفي البُرْأ لعضال دائي و الأنس لقتامة وحشتي والعزة لأذى ذلتي و جبروت انكساري .

واليوم لم يبق لي إلا القرطاس و القلم لأنك ترفعت عن داري و سئمت جواري و آثرت جوار الله . سأعود إلى البيت فأجد الظلام سائدا لأن عينيك العزيزتين لا تضيئانه و السكون شاملا لأن قلبك كان يخفق بحبي حاضرا و غائبا قد كف عن الخفقان و سكن روحك الذي يهفو للقائي سكون البنيان .سأسافر إلى بلاد بعيدة فلا أجد لوعة الذهاب ولا أشعر بحنين الغريب الولهان ولا تهزني نشوة العائد الولهان لأن رؤياك استحالت على العيان .سأحقق نجاحات كثيرة فلا أرى فرحة الإنتصا ر في غيابك و لا المس بهجة الازدهار من دونك . سأمرض فافتقد يدك فتلمسني كأرقى ما يستطب به من حديث الدواء ، و قبلاتك و عبراتك التي فيها المصل الواقي . و اجلس طويلا للتحبير فيتجلى وجهك الجميل بتقاسيمه الحلوة على صفحاتي فيجف قلمي و تخرس كلماتي و انقطع عما حولي إلا عن مدح نداك و الثناء على فيض برك و تقواك – أماه .. أيتها الهدية الإلاهية العظيمة التي حُرمتْ لأُعْطى حتى صنعت لحمي و عظامي من أشْلائها و أجرت دمي من نجيع أحشائها فكنت صنع الله على يديْها .

أمي .. يا حياتي – هل بعدك ستستمرُ حياتي ..؟ لقد كنت كبيرةٌ ٌ في رضاك كبيرة في سخطك ، كبيرة في صلاحك و تقواك و بالغة الكبر بما اجترحت من عُجاب العطاء . أيتها الهبة الربانية الجليلة و الملاك الطاهر ، و النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية واسكني جنتهُ قريرةً آمنةٌ.