همس أصحاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس أصحاب دخول

نهتم بكم لأنكم الأهم . عائلة همس أصحاب


descriptionالضمير الغائب Emptyالضمير الغائب

more_horiz
الضمير الغائب


تفتحت عيناي علي الدنيا لأب لم أره‏,‏ ولم تربطني به أي صلة حتي الآن سوي اسمي المدون في بطاقتي وأوراقي الرسمية‏,‏ فقد ولدت في احدي قري الدلتا في عائلة ثرية‏,‏ حيث كان جدي لأبي من أعيان القرية‏,‏ وواحدا من كبار أصحاب الأطيان الزراعية‏,‏ وبعد ولادتي بأيام رحل جدي تاركا لأبي ميراثا هائلا‏,‏ ولم يمض وقت طويل حتي تحول أبي الي انسان آخر‏,‏ فأصبح مبذرا وسفيها‏,‏ وسرعان ما التف حوله رفقاء السوء فأدمن‏,‏ المخدرات والمقامرة‏,‏ وامتدت يده الي والدتي فأخذ يضربها بلا أسباب‏,‏ وساءت حالته بمرور الأيام‏,‏ وباع كل مايملك بأبخس الاثمان‏

وفي لحظة غاب عنه فيها الوعي طلق والدتي‏,‏ وكان عمري وقتها ثلاث سنوات‏,‏ فحزمت ملابسها وحملتني الي بيت أشقائها في قرية مجاورة‏,‏ وهناك روت لهم ماحدث لكنهم ابدوا استياءهم وأوصلوا لها رسالة بأنهم يعولون أطفالا ويفتحون بيوتا‏,‏ ويصرفون علي أمهم‏,‏ وليس لديهم فائض لكي يصرفوا عليها وعلي ابنها‏..‏ وقد استمعت منهم الي ماقالوه‏,‏ ولم تعلق بأي كلمة‏,‏ وبعد إنتهاء الجلسة وافقوا علي ان تقيم في غرفة ببيت العائلة مقابل ايجار تدفعه لهم لأن نصيبها من الميراث قد تم تجهيزها به عندما تزوجت من أبي‏!!‏

وهكذا لم تجد وسيلة أمامها لتدبير مصاريف المعيشة سوي أن تعمل بالأجر اليومي في فلاحة الأرض الزراعية لتعود في نهاية اليوم بقروش قليلة تدبر بها قوتنا الضروري‏,‏ وبالرغم من صغر سني وقتها إلا أنني كنت ألمس المعاناة الرهيبة التي تعانيها والدتي والدموع لا تغادر عينيها أبدا حسرة علي موقف أبي‏,‏ ثم موقف أشقائها الذين خذلوها وعاملوها معاملة غريبة يتعجب لها كل من يسمع بها‏.‏

وبعد عام عرض عليها أحد أقاربها أن تعمل بالقاهرة في خدمة البيوت مقابل مبلغ لا بأس به ومكان يسترنا في ظلمة الليل‏..‏ وبالفعل جئنا الي العاصمة وبدأت والدتي العمل في إحدي الشقق‏,‏ وشاهدها صديق لصاحب الشقة فأعجب بها وتحدث الي قريبنا عنها مبديا رغبته في ان يتزوجها‏..‏ والحقيقة ان الرجل كان مهذبا ومقتدرا ماديا‏,‏ فوافقت أمي علي الارتباط به بشرط أن أعيش معها‏,‏ وكان عمري وقتها سبع سنوات‏,‏ وكان هو يعمل في شركة لتوريد المواد الغذائية براتب متوسط يكفينا ذل السؤال‏..‏ وبعد مرور عام انجبت منه والدتي طفلا جميلا‏,‏ ثم بدأت معاملته لها تتغير تدريجيا‏..‏ لكنها لم تتوقف أمام هذا التغير كثيرا‏..‏ والتحقت بإحدي المدارس وانتظمت فيها‏,‏ ثم حملت والدتي في طفل ثان من زوجها‏,‏ ثم طفلة ثالثة في غضون خمس سنوات‏,‏ ولكن للأسف حلت علي زوج أمي نفس اللعنة التي حلت بوالدي من قبل‏,‏ فأدمن المخدرات وأصبح كثير الغياب عن المنزل‏,‏ وتركنا جميعا في الشارع نواجه مصيرنا المجهول‏!‏

وذهبت أمي الي أهله تشكو لهم مما حدث فعرضوا عليها ان يقيم أطفاله في بيت أهله‏,‏ وأن يكون لها الحق في أن تراهم وقتما تشاء‏,‏ أما أنا وهي فخارج الحسابات‏..‏ فرضخت أمي لهذا الحل‏,‏ وعادت الي الخدمة في البيوت من جديد‏..‏ أما أنا فتركت الدراسة‏,‏ والتحقت بورشة للنجارة‏..‏ وخلال شهور استطعنا تدبير مبلغ صغير أجرنا به شقة متواضعة في أحد الأحياء الشعبية‏,‏ وأخذت أخوتي من بيت أقاربهم‏,‏ وعشنا جميعا في البيت الجديد‏,‏ وواصلنا سعينا في الحياة ليلا ونهارا‏,‏ وكبر أخوتي وأصبحوا في سن الدراسة‏,‏ ورحت أحلم بأن أنقذ حلمي في التعليم من خلالهم‏,‏ ومرت السنوات‏,‏ وكلما اشتد عود أحدهم نزل الي العمل لكي يساعد والدتي في مصروفات المنزل‏.‏

وراودني الحنين لزيارة والدي بعد ان علمت انه علي قيد الحياة‏,‏ فذهبت اليه فوجدته رجلا عاجزا فاقد البصر‏,‏ وملابسه رثة ويعيش علي إعانات أهل الخير‏..‏ والأغرب انه لم يتذكرني نهائيا‏,‏ فقبلته ووعدته بألا أتركه وأن أزوره من حين الي آخر‏,‏ والدموع تترقرق في عيني حزنا علي ما وصل اليه حاله بعد العز والثراء‏.‏

وقد واصل أخوتي تفوقهم حتي وصلوا الي السنوات النهائية في كلياتهم وأوصتني بهم والدتي خيرا قبل ان ترحل عن الدنيا‏,‏ فعملت بوصيتها وأحببتهم حبا جما‏..‏ والتحق أكبرهم بكلية الطيران يليه الثاني بإحدي كليات القمة التي تخرج فيها مؤهلا للعمل في وزارة الخارجية‏,‏ وتسلم عمله فيها عقب تخرجه‏..‏ أما اختي الصغري فلقد ورثت عن والدتي جمالها وتزوجت صغيرة من تاجر ميسور الحال‏.‏

وفوجئت بكل منهم وقد أصبح له عالمه الخاص وحياته وأصدقاؤه وأخذوا يبتعدون عني شيئا فشيئا‏,‏ ولم أشأ أن أقحم نفسي في حياتهم رغما عنهم‏,‏ وهكذا استقل كل واحد بحياته واشتري شقة وأثث بيتا مستقلا‏,‏ وتباعدت المسافات بيننا‏..‏ ونظرت الي نفسي فوجدتني كما أنا أعزب ليس له في الدنيا أحد‏,‏ فقررت الزواج قبل أن يفوتني القطار‏,‏ ودعوتهم لحضور الزفاف‏,‏ فحضرت أختي لدقائق معدودة‏,‏ وتفهمت ان زوجها لا يريدها أن تنزل بمستواها حتي لا تسبب له إحراجا‏,‏ بينما اكتفي أخواي بمكالمة هاتفية يباركان لي فيها الزواج‏,‏ ويعتذران عن عدم الحضور لانشغالهما في العمل‏,‏ وزادت الثغرة بيننا فدعاني كل منهما لحضور عقد قرانه فقط وليس الزفاف وأصبحنا لا نلتقي نهائيا‏..‏ ولا نهاتف بعضنا سوي في المناسبات‏

ومرت السنوات وأصبت بحساسية في صدري نتيجة لتعاملي مع المواد الكيماوية التي تستخدم في رش اخشاب الأثاث وتطور المرض الي ربو مزمن اقعدني عن العمل‏,‏ وبرغم ظروفي السيئة لم يكلف أحد أخوتي نفسه بالسؤال عني‏,‏ وتحملتني زوجتي ولم تجد بدا من الخروج الي العمل في البيوت‏,‏ لكن المصائب تعاظمت فاصيبت بتليف كبدي‏,‏ واصبحت هي الاخري غير قادرة علي العمل‏..‏ وتحاملت علي نفسي وتوجهت الي بيت أخي الذي يليني في السن وهو موظف كبير ففتحت لي ابنته الباب فأخبرتها بأني عمها فنظرت لي باستغراب شديد‏,‏ ولمحته وهو يشير اليها بأنه غير موجود‏..‏ وتكرر الوضع نفسه مع أخي الآخر‏,‏ أما أختي فقد غيرت رقم هاتفها ومحل اقامتها‏..‏ وهكذا أجد نفسي وحدي أصارع الموت أنا وزوجتي وطفلي الذي جاء الي الدنيا ولا أدري كيف سيواجه مصاعبها بعد رحيلنا‏..‏ لقد غاب ضمير اخوتي بعد ان ربيتهم‏,‏ فهل تري بعد ذلك بارقة أمل لي في الحياة؟

**‏ موضوع قراته
وكتبته كما هوى
اسر فى فجعلته على المنتدى للعبره

descriptionالضمير الغائب Emptyرد: الضمير الغائب

more_horiz
مشكور اخي محمد علي هذة العبرة حقا


ولدي ما يشبها كثيراااااااا ولكن لا اعتقد انها ممكن ان تنتهي بهذة

النهاية الماسوية كيف لهم بعد ان وقف بجانبهم ان ينسوا هذا ويتخلوا عنة بهذة الصورة المحزنة


وضعوا بدلا من قلوبهم حجرا للاسف ولكن كما تدين تدان


وان الله لا يغفل ولا يسهو عن افعالنا


مشكور ومكانها منتدي القصة اخي محمد المناسب


انتظر جديدك دوما


تقبل احترااااااااااامي

descriptionالضمير الغائب Emptyرد: الضمير الغائب

more_horiz
موضوع جميل محمد

تحياتى

kazanova
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى