الجيش السعودي ضحية المؤرخين العرب | صور للجيش السعودى | الجيش السعودى
الجيش السعودى , الجيش السعودى ضحية
الجيش السعودى , الجيش السعودى ضحية
الجيش السعودى , الجيش السعودى ضحية  No




لم
تكن مشاركة المملكة العربية السعودية في حرب فلسطين مقتصرة على الجهاد
التطوعي من المواطنين الذين انضووا تحت لواء الجهاد المقدس أو اشتراك
الجيش النظامي مع الجيش المصري ، بل لقد كان للقيادة السياسية جهود
دبلوماسية مكثفة في المفاوضات بين العرب واليهود . واجتماعات القيادات
سواء على مستوى الملوك والرؤساء أو رؤساء الوزارات ووزراء الخارجية ، أو
من خلال المراسلات المتبادلة بين الملك عبد العزيز ورؤساء الولايات
المتحدة الأمريكية وبريطانيا وخصوصاً مع روزفلت وترومان وتشرشل . وكذا
الحال في المفاوضات التي جرت بين العرب وبريطانيا في مؤتمر لندن .

والكتاب
الذي بين أيدينا الآن هو كتاب " الجيش السعودي في حرب فلسطين عام 1948 م "
رؤية وتوثيق محمد بن ناصر الياسر الأسمري ، نشر بالسعودية ـ الرياض ،
ويحدثنا عن الدور الذي قامت به القوات السعودية في حرب فلسطين عام 1948 م
، ولقد كان الجهاد بالنفس والمال على خط متساوٍ
من التسابق للبذل لأنقاذ فلسطين ، وتكونت لجان شعبية في أنحاء البلاد
السعودية لجمع التبرعات لأهل فلسطين ، وتشير أعداد صحيفة أم القرى عام
1367 هـ ، 1948 م ، إلى بيانات أسماء المتبرعين والمبالغ المتبرع بها ،
ولعل ما نشر في العدد الصادر بتاريخ 12 مايو 1948 م ، تحت عنوان " قوائم
المجد والشهامة " أبرز مثال على الروح الأخوية والمشاعر النبيلة من
السعوديين لأخوتهم في فلسطين . ولقد استمرت هذه القوائم حتى نهاية الحرب
وإعلان الهدنة .

يقول
المؤلف إن الملك عبد العزيز كان يرى أن تمويل وتموين وتجهيز أهل فلسطين
والمجاهدين بالمال والعتاد هو السبيل الأفضل بدلاً من تدخل الجيوش العربية
، وهذا خلاف ما بذله الملك عبد العزيز من جهود كبيرة منذ العام 1929 ـ
1936 م ، من العمل السياسي لحل القضية سلمياً ، وذلك من خلال المفاوضات
والمراسلات والبعوث ، ولعل سبب معارضة الملك عبد العزيز لهذا هو أن الدول
العربية أعضاء في الأمم المتحدة ، وأنه سوف يلزمها التقيد بما يصدر عن
الأمم المتحدة . ولعل من الملفت للنظر أن وجهة نظر القيادة السعودية
بقيادة الملك عبد العزيز لم تكن بعيدة عن الرؤية الاستراتيجية التي سبق
الإشارة إليها ، وهي رؤية رؤساء أركان الجيوش العربية التي أوصت بعدم دخول
الجيوش العربية الحرب مع اليهود .

ويقول
الأسمري : كانت البداية لقرار السعودية بإشراف جيشها النظامي في الحرب
بعدما استقر رأي رؤساء الحكومات العربية والمباحثات التي تمت في القاهرة
ودمشق وعمان ، فقد أشارت صحيفة أم القرى الصادرة بتاريخ 6 رجب 1367 هـ
الموافق 14 مايو 1948 م ، في صفحتها الأولى عن استقبال الملك عبد العزيز
وفدين من سوريا ولبنان عرضا عليه خلاصة الموقف في فلسطين ، وقد أبدى
تأييده التام لجميع ما اتخذ من قرارات للدفاع عن فلسطين والاحتفاظ
بعروبتها والحيلولة دون تقسيم فلسطين وقيام الدولة اليهودية ، بعدما وجد
أن الجميع مصرون على الحرب .

وقرار
السعودية هذا جاء في اليوم ذاته الذي قررت مصر فيه دخول الحرب التي بدأت
في اليوم التالي ، كما أشارت الصحيفة نفسها أيضاً في العدد الصادر بتاريخ
13 رجب الموافق 21 مايو 1948 م ، إلى زحف جيوش الدول العربية على فلسطين
واستعراض سرايا الجيش السعودي وتتابع سفره إلى ميادين القتال . وقد جاء
على الصفحة نفسها البيان رقم ( 1 ، 2 ) عن اشتراك الجيش السعودي في ميدان
القتال وبيان من وزارة الدفاع يشير إلى صدور أمر الملك لوزير الدفاع
بإرسال فرقة سعودية للجهاد في فلسطين في ظرف 24 ساعة ، وتوجهت الدفعة
الأولى بالطائرات المسلحة مؤلفة من جند سرايا الرشاشات والأسلحة الخفيفة
والمشاة على التتابع ، وبقية السرايا أرسلت البواخر ، وقد عين لقيادة فرقة
الجهاد السعودية الأولى العقيد سعيد بيك الكردي ووكيله وكيل القائد عبد
الله بن نامي ، وألفت لها هيئة أركان حرب من بعض الضباط .

قد
شارك الجيش السعودي بقوة كبيرة عدد ضباطها وأفرادها ثلاثة آلاف ومائتا رجل
، كما أوضح قائدها سعيد الكردي ، وهذا العدد يشكل ربع الجيش المصري ، رغم
أن ذكر هذا الجيش ودوره لم يحظ بكثير من التوثيق في المصادر التي كتبت عن
حرب فلسطين 1948 م ، وعلى وجه الخصوص من قبل المصريين الذي شارك الجيش
السعودي مع جيشهم ، سوى معلومات مبتسرة لم تغفل الإشادة بالأدوار البطولية
التي
قام بها الجيش السعودي قوة وأفراداً ، بل الأسوأ كما يقول المؤلف إننا لم
نجد لدى وزارة الدفاع السعودية أي معلومات ، وقد صاحب هذا النزر اليسير
تفاوت في ذكر عدد القوة السعودية .


ويورد المؤلف أعداد القوة السعودية التي وصلت إلى فلسطين كما جاءت في مذكرات اللواء حسن البدري كالتالي :

1ـ وصلت الدفعة الأولى إلى غزة يوم 27 مايو 1948 م تضم 27 ضابطاً و339 رتب أخرى .

2ـ وصلت الدفعة الثانية إلى غزة يوم 30 مايو 1948 م وتضم 19 ضابطاً و35 رتب أخرى .

3ـ وصلت الدفعة الثالثة إلى غزة يوم 15 يونيو 1948 م وتضم 10 ضباط و329 رتب أخرى .


كما انضم إلى قوة إنقاذ فلسطين نحو 200 رتب أخرى من السعوديين الذين كانوا
يقيمون أصلاً في فلسطين عندما اشتعلت الحرب ، وكان بحوزة هذه القوة ( 36
هاون 3 بوصة ، 34 مدفع براوننج ، 72 رشاش برف ، 10 رشاشات عيار 50، 10
رشاشات هونشكس ، 750 بندقية 303 بوصة ، 10 عربات مدرعة همير ، وكانت ذخيرة
هذه القوة نحو 21600 ألف قذيفة هاون 3 بوصة ، 165000 طلقة 303 ) .

لقد
باشرت القوة السعودية القتال جنباً إلى جنب مع القوات المصرية ، ويذكر
شكيب الأموي أحد ضباط الحرب في مذكراته التي استعان بها المؤلف :
المعركة الأولى للجيش السعودي كانت في بيت حانون على بعد 9 كم عن غزة
شمالاً وتواجه المعسكر السعودي مستعمرة بيرون إسحاق ، التي تؤمن ثلاث قرى
أخرى بالماء ، وكان السجال بين القوات المصرية واليهودية على هذا الموقع
وتقرر طرد اليهود من الموقع فتقدمت القوات المصرية ومعها السعودية بقيادة
القائم مقام سعيد الكردي ، من تقاطع طريق غزة ـ بير السبع ـ وتقدمت ثلاث
فصائل من الجناح الأيمن ودخلت حتى مسافة 50 ياردة من الأسلاك الشائكة
المحيطة بالمستعمرة ، وحصونها الأمامية ، وعملت القوات السعودية حركة
التفاف حول المستعمرة لتلتقي القوات المصرية الأمامية وجناحها الأيسر
ودمرت البئر ، وانسحب اليهود من مواقع أخرى لمواجهة القوات السعودية ،
وحصل خلل في الميمنة أدى إلى تراجع وانسحاب أمر القيادة.

ويبدو
أن تحرشات اليهود بعد معركة بيت طيما بالجيش السعودي أثناء الهدنة وبالذات
ليلاً حتى لم يبق بين الجانبين سوى أقل من 150 ياردة ، وظن اليهود أنهم
بهذا يستطيعون القفز ليلاً على القوات السعودية ، لكن العقيد الكردي أمر
في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل يوم 8 يونيو 1948 م قواته
بالزحف من بيت طيما واحتلت قوات مصرية بديلة مواقع القوات السعودية
المتقدمة وفر اليهود ، لو لم يظهر ضوء الفجر إلا وقد رفع العلم السعودي
علم التوحيد على المدرسة وقد خسر اليهود 145 قتيلاً ، وقد رغبت القوات
السعودية مواصلة التقدم واقتحام المستعمرة منفردين بعد بلوغهم هذا النجاح
المذهل ، لكن الأوامر منعت ذلك الطموح .

ويذكر
الأسمري المواقع التي خاضتها القوات السعودية فيقول : من أهم المواقع التي
شارك فيها الجيش السعودي في فلسطين معركة دير سنيد ، وأسدود ، نجبا ،
المجدل ، عراق سويدان ، الحليقات ، بيرون إسحاق ، كراتيا ، بيت طيما ، بيت
حانون ، بيت لاهيا ، غزة ، رفح ، العسلوج ، وتبة الخيش ، وعلى المنطار ،
والشيخ نوران .

وقد تواجدت السرايا السعودية ضمن تشكيلات القوات المصرية في بدء العمليات الحربية ووصول القوة السعودية في المواقع التالية :

1ـ أسدود ضمن اللواء الثاني مشاة بقيادة الأميرالاي ( العميد ) محمود فهمي نعمة الله .

2ـ في المجدل ضمن اللواء الرابع مشاة بقيادة الأميرالاي أركان حرب محمد نجيب .

3ـ في منطقة خطوط المواصلات في غزة تحت قيادة الأميرالاي محمد فوزي .

وقد
أشار اللواء البدري إلى معركة كوكبا والحليقات قائلاً : حيث كانت قوات من
الجهاد المقدس بقيادة السعودي محمد طاهر الأفريقي تحتل قرية بيت طيما
ودرجت القوات الإسرائيلية على مفاوضتها واحتلت بعض التلال ، ولهذا أصدرت
رئاسة القوات المصرية تعليماتها بتعزيز جيش الجهاد المحيطة بالبلدة .
وتلخصت خطة العقيد أحمد توفيق بالهجوم على كوكبة وفي معاونته سرية دبابات
وأربع عربات مدرعة ، على أن تؤازره السرية السعودية قرب بيت طيما ، وتلخصت
الخطة أن تتسلل سريته الثالثة ليلاً ومعها فصيلة سعودية إلى كوكبا من
الغرب عبر المدق الذي يصلها بالمجدل .. وفي الموعد المحدد تسللت السرية
الثالثة والفصيلة السعودية حسب الخطة واقتحمتا كوكبة وباغتتا المدافعين
عنها الذين سرعان ما دب الذعر في صفوفهم وفروا مخلفين وراءهم أسلحتهم
وذخيرتهم .

وبعد
هذا التوثيق الأكاديمي المختصر للدور الذي قامت به القوات السعودية في حرب
فلسطين 1948 م ، فإنه يعد مقدمة لما يحويه الكتاب من مذكرات وروايات
شهادات كوكبة من الضباط الذين شاركوا في الحرب وما زالوا أحياء يرزقون
بحمد الله ، ولديهم ثروة وكم هائل من المعلومات ، سجلت في بقية الكتاب
لتكون مكملة ومتكاملة لتعطي صورة عن صاحب هذه المذكرات ، القائد البطل
الذي قاد هؤلاء الأبطال ، بما يعطي المجال الأوسع لمعرفة فكر الرجل ونبل
شخصيته .

ولتلك
المذكرات قصة عجيبة ، فقد كان صاحبها ذلكم الرجل هو سعيد بن عبد الله
الكردي ، كان رجلاً مهيب الطلة والطلعة ذا صوت جهوري ، وهو رجل مخابرات
ومسئول أمني وذو مكانة رفيعة لدى السلطة الحاكمة ، يجمع المعلومات ويتعامل
معها من أجل الحفاظ على سمعة وأمن الوطن والمواطنين والدولة ومؤسساتها .
كما أن شهادات الضباط الذين عاصروا تلك الحرب يشهدون بذلك .