بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد شوقي.. أمير الشعراء
أحمد شوقي
أمير الشعراء
١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
(في ذكرى وفاته : 13 من جمادى الآخرة 1351 هـ)
كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًاجديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاهنضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر.
وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي،ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيهالتليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.
ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإنكان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها،فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظإبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكانأحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأالدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب.
المولد والنشأة
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 منأكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفةفي قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربيةحفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخصالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحقبمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائهمن مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا،فبدأ الشعر يجري على لسانه.
وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسةالحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بهاحديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمدالبسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرسالبلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق فيالمناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أنينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمهأنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته.
السفر إلى فرنسا
وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق،الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة"مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمالدراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهرقبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبارالكتاب والشعر.
العودة إلى مصر
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنهبقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأىفي شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعتمنزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعملفي القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليهاسنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرةالبلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دارجميلة تطل على البحر المتوسط.
شعره في هذه الفترة
ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمرالخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبةإلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع منالحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض.
ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لانقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياضباشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهمعلى مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها:
غمرت القوم إطراءً وحمدًا
وهم غمروك بالنعم الجسام
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا
أضيف إلى مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه
وجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدةموجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقتهبالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسةالوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثقمن عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان،قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفىكامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة:
المشرقان عليك ينتحبان
قاصيهما في مأتم والدان
يا خادم الإسلام أجر مجاهد
في الله من خلد ومن رضوان
لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسى
في الزائرين وروّع الحرمان
وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا، وكانت مصر تابعةلها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني؛ داعيًا المسلمين إلىالالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم، فيقول:
أما الخلافة فهي حائط بيتكم
حتى يبين الحشر عن أهواله
لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم
فمصيبة الإسلام من جُهّاله
ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1987م)كتب مطولة عظيمة بعنوان "صدى الحرب"، أشاد فيها بانتصارات السلطانالعثماني، واستهلها بقوله:
بسيفك يعلو والحق أغلب
وينصر دين الله أيان تضرب
وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمها إلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة،فجزء تحت عنوان "أبوة أمير المؤمنين"، وآخر عن "الجلوس الأسعد"، وثالثبعنوان "حلم عظيم وبطش أعظم". ويبكي سقوط عبد الحميد الثاني في انقلاب قامبه جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان"الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد"، وقد استهلها بقوله:
سل يلدزا ذات القصور
هل جاءها نبأ البدور
لو تستطيع إجابة
لبكتك بالدمع الغزير
ولم تكن صلة شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما كانت صلةفي الله، فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين، ووجوده يكفل وحدةالبلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده، بل كان إيمانكثير من الزعماء المصريين.
وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول (صلىالله عليه وسلم) من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاًفي التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومن أشهر قصائده "نهج البردة" التي عارضفيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدثالعصر الشيخ "سليم البشري" فينهض لشرحها وبيانها. يقول في مطلع القصيدة:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن أبياتها في الرد على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف:
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا
لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة
فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى، مثل: الهمزية النبوية، وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا
لعل على الجمال له عتابًا
كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنسالأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالهانوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسيالاستعمار ومكائده.
وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوب سهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحكايات 56حكاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة "الأهرام" سنة (1310هـ = 1892م)،وكانت بعنوان "الهندي والدجاج"، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلالوبالدجاج لمصر.
النفي إلى إسبانيا
وفي الفترة التي قضاها شوقي في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته فيقراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربيقراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.
وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهيتضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوةوالخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقدنُشرت بعد وفاته.
وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحهوأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفرالشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً فيالتصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضةلقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي
وترفعت عن جدا كل جبس
وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينهوشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمينبها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلى مصر قوله:
أحرام على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنس
وطني لو شُغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي
العودة إلى الوطن
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاًرائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظإبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب،وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلالوالنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعرالوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفصالذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزابوصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدرالوطن، يصيح فيهم قائلاً:
إلام الخلف بينكم إلاما؟
وهذي الضجة الكبرى علاما؟
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصاما؟
وأين الفوز؟ لا مصر استقرت
على حال ولا السودان داما
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأماموالتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توتعنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصةللتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقيوالطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها:
قفي يا أخت يوشع خبرينا
أحاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا
ومن دولاتهم ما تعلمينا
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضدالمستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سورياوذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداثالثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها:
بني سوريّة اطرحوا الأماني
وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
وقفتم بين موت أو حياة
فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حرٍّ
يد سلفت ودين مستحقُّ
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يُدَقُّ
ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد كانلها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالمالإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن "مصطفى كمال أتاتورك"إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا فيقصيدة مبكية مطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نواح
ونعيت بين معالم الأفراح
كُفنت في ليل الزفاف بثوبه
ودفنت عند تبلج الإصباح
ضجت عليك مآذن ومنابر
وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحَّاح
إمارة الشعر
أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبةوطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية،وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدارالأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه"الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلنحافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي
بشعر أمير الدولتين ورجِّعي
أعيدي على الأسماع ما غردت به
براعة شوقي في ابتداء ومقطع
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
مسرحيات شوقي
أحمد شوقي و سعد زغلول
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعهشعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قدبدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد.
وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها منالتاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهماهي أولى مسرحياته ظهورًا، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"،ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصريالعثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"،و"البخيلة".
ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد.
وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي،وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذهالمآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنهاكونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
مكانة شوقي
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظمالقصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول،يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًاعنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري مايتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعرعربي قديم أو حديث.
وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربيفي عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغةوالأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيلبأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهدعلى ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقونفي دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التينظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه.
وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألفمع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًاصافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع علىآدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه ومااستحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، ولهفي ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها فيمطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"،و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيهمن وعظ في عبارات مسجوعة.
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمدصبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًاجديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
وفاته
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموتفاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض بهشباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر1932م.
من مراجع الدراسة:
*
أحمد شوقي: الشوقيات – تحقيق علي عبد المنعم عبد الحميد – الشركة المصرية العالمية للنشر – القاهرة (2000م). *
شكيب أرسلان: شوقي أو صداقة أربعين سنة – مطبعة عيسى البابي الحلبي – القاهرة (1355 هـ = 1936م). *
شوقي ضيف: شوقي شاعر العصر الحديث – دار المعارف – القاهرة (1975م). *
عبد الرحمن الرافعي: شعراء الوطنية – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة (1373هـ = 1954م). *
ماهر حسن فهمي: أحمد شوقي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة (1985م). *
محمد مندور: أحمد شوقي – منشورات المكتب التجاري – بيروت (1970م)..