بسم الله الرحمن الرحيم

في حوار تليفزيوني للعلامة الشيخ يوسف القرضاوي حول الشباب كان الحوار كالتالي مفيد جدا انصح بقراءته

المقدم
لو ابتدأت بسؤالك عن نبذة ما بين كبر السن والطفولة هناك الشباب، باختصار شديد ما هي رؤيتك الخاصة للشباب؟

القرضاوي
الشباب هو مرحلة الحيوية الدافقة في عمر الإنسان، دائماً وسط الشيء يكون أقواه، الشمس أقوى ما تكون في وسط النهار والشباب هو مرحلة القوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، وأشار إلى هذا القرآن الكريم حينما قال (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة) فهو مرحلة القوة بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، ولذلك كانت المسؤولية عن هذه المرحلة مسؤولية مؤكدة، والإنسان يُسئل يوم القيامة عن أربعة أشياء أساسية رئيسة منها السؤال عن الشباب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسئل عن أربع، عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه"، فهو يُسئل عن العمر عامة وعن الشباب خاصة، أين أنفق هذا الشباب وأيام الشباب وسن الشباب ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك" فأول ما ينبغي أن يهتم الإنسان به الشباب قبل الهرم وقبل الكبر، ولذلك نجد القرآن الكريم أعطى لنا نماذج من الشباب كل في موقع معين من المواقع، فأعطى لنا الشاب الثائر على الباطل المحطِّم للطواغيت والأصنام وذلك هو إبراهيم عليه السلام الذي حطم الأصنام بفأسه وحلف (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، فجعلهم جذاذا إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) وكان إبراهيم في ذلك الوقت كما قال القوم (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) كان فتى، ورأينا الفتى الذي يقدم عنقه طاعة لله وامتثالاً لأمره وذلك هو إسماعيل الذبيح حينما قال له أبوه يا بني بعد أن بلغ معه السعي أي أصبح يعمل ويرجى من وراءه الخير للأسرة جاءه هذا الامتحان البلاء العظيم (إن هذا لهو البلاء المبين) الامتحان الكبير، (قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)، هذا هو الشاب الذبيح، حينما عرض عليه أبوه هذه الرؤيا ورؤيا الأنبياء وحي وهي إشارة من الله (إني أرى في المنام أني أذبحك) لم يتردد هذا الشاب ولم يتلكأ وقال في ثقة المؤمن وإيمان الواثق (يا أبت افعل ماتؤمر) وكأنما فني عن ذاته ونسي نفسه فلم يقل (افعل بي ماتؤمر) كأن الأمر لا يتعلق به وحثه على تنفيذ الأمر الذي جاءه (افعل ما تؤمر) ثم لم يدعي أن هذا نوع من البطولة والشجاعة ولكن قال (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) فهذا نموذج من الفتيان، ذكر لنا القرآن نموذجاً آخر، نموذج الشاب الذي يستعصي على المعصية وعلى الفتنة والفتنة أمامه تراوحه وتغاديه وتصابحه وتماسيه وتعرض عليه نفسها، يوسف عليه السلام، هذا الشاب وهو في ريعان شبابه وفي مقتبل عمره قد عرضت عليه امرأة العزيز راودته عن نفسه والقرآن يقول (راودته التي هو في بيتها) يعني هي مالكة أمره وهي صاحبة البيت وهي سيدته وهو شاب وشاب غريب والإنسان في حال الغربة يفعل ما يستحي منه في بلده وشاب عزب كل عوامل الفتنة موجودة عند يوسف ومع هذا يوسف قال (معاذ الله) حينما قالت (هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) وحاولت المرأة أن تغريه حينما دعت النساء في بيتها وعملت لهم الوليمة (وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) من الدهشة (وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) يعني اعترفت بصراحة، ولذلك كلما يقال في قصة يوسف أنه كذا وكذا فالقرآن واضح تماماً (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين) ففي البداية لجأت إلى سلاح الإغراء ففشل سلاح الإغراء فلجأت إلى سلاح التهديد وهي امرأة قادرة أن تقول وتفعل، النساء في مثل هذه الأنظمة الحاكمة لهن نفوذ فتستطيع ما تقوله أن تنفذه وينفذه لها زوجها العزيز وفعلاً هذا الذي حدث (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)، المهم أن يوسف كان مخيراً بين محنتين محنة الدنيا ومحنة الدين، محنة الدنيا أن يسجن ويكون من الصاغرين، ومحنة الدين أن يزني ويكون من الفاسقين ولكنه آثر محنة الدنيا على محنة الدين، (اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا) فهذا نموذج من نماذج الشباب ولما دخل السجن ظل مستمسكاً بدعوته وانتهز أن الله آتاه تعليم الأحاديث وتأويل الأحاديث وتفسير الأحلام فاتخذ من تفسير الأحلام وسيلة لدعوة الناس إلى الله عز وجل، يفسر الحلم ويقول (ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب..)، (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)، شاب ولكن ظل مستمسكاً بدعوته وهو داخل السجن، القرآن ذكر لنا أيضاً شاب آخر آتاه الله الحكمة منذ الصبى وآتاه العاطفة النبيلة وآتاه التقوى وهو يحيى عليه السلام ابن زكريا (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا * وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقيا * وبرا بوالديه ولم يكن جباراً عصيا)، هذه نماذج كلها تعطينا أمثال في قضية من القضايا أو في جانب من الجوانب.

المقدم
هذه النماذج بلا شك مشرقة ومتميزة وتمثل لنا قدوات، في علم التربية الحديث اليوم يتحدثون عن الرموز وأثرها في التربية، باعتقادك كيف يمكن أن نجعل من الفتى إبراهيم عليه السلام ومن يوسف الشاب ومن يحيى نماذج يتأسى بها عند الشباب؟

القرضاوي
حينما تكون هذه هي الأشياء المعروضة على الشباب، إنما المشكلة هي أننا نجد أن الشباب يجهل هذه الرموز ويجهل سير هؤلاء الناس ولا يعرف إلى الرجل الذي يغني والهيبز والخنافس، فعندما تكون هذه الرموز مغيبة فتضيع القدوة ولا يجد الشاب من يقتدي به ولذلك من المهم الثقافة، نحن تحدثنا في المرة السابقة عن ثقافة الطفل نريد ثقافة للشاب تكون مغذية نافعة وليست الثقافة الملغومة ولا الثقافة المسمومة ولا الثقافة الغازية للأفكار والعقول فنحن في حاجة إلى ثقافة إسلامية عربية تقدم للشباب، وسيد الشباب محمد صلى الله عليه وسلم، الشاب الطاهر المستقيم المكافح حينما ننظر إلى سيرته صلى الله عليه وسلم تجده في شبابه مثلاً يحتذى به، هو من قريش ومن ذروة قريش ومن بني هاشم وجده عبدالمطلب سيد مكة ومع هذا، هذا الشاب يأبى إلا أن يكسب عيشه بكد يمينه وعرق جبينه ويعمل راعياً للغنم وهو من أعظم قريش وأوسطهم نسباً وحسباً فقد اشتغل راعياً للغنم ثم اشتغل بالتجارة وهكذا، ولم يشارك في لهو ولا باطل رغم أن الحياة كل شيء فيها كان مباحاً مثل الخمر والنساء واللهو والباطل والسهرات الماجنة كل هذا كان موجوداً وشباب مكة غارق في هذا، الله سبحانه وتعالى عصمه من هذا وحماه من أن يقع في لوثات الجاهلية فهذا الشاب هو أيضاً نموذج.

المقدم
اسمح لي هنا بسؤال، كل هذه النماذج التي تحدثنا عنها هي لأنبياء يختارهم الله بالتعبير القرآن وصنعهم على عينه، هذا النموذج هو الحد الأقصى لما يمكن للشاب أن يعطيه لكن الحقيقة على الأرض هي التالي، هي أن هذا الشاب يترك طفولة ويكبر على أقرانه الصغار ويخرج منهم وبالتالي يصبح مرفوض لأن جسمه بدأ يتغير ونما له الشارب والكبار أيضاً لا يقبلونه بسهولة لأنهم اعتادوا عليه طفلاً، كيف نزاوج بين هذا النموذج الراقي الذي قدمه لنا الأنبياء وبين هذه المرحلة الانتقالية من الطفولة العادية بكل الضعف البشري الذي فيها؟

القرضاوي
هذا أمر عادي وهو منطق الفطرة هذا ليس أمراً غريباً ولا خارقاً للعادة أن الإنسان ينتقل من الطفولة إلى الشباب، هذا نمو طبيعي، الإنسان منذ أن كان جنيناً في بطن أمه كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يخرجكم طفلاً والطفل يبدأ رضيعاً ففطيماً فصبياً فغلاماً فيافعاً فشاباً فكهلاً، لا يوجد هنا فاصل محدد بين هذه المراحل فهو نمو طبيعي متدرج فلابد أن يقبله الجميع وهذا الأثر الذي ذكرناه في الحلقة الماضية (لاعب ابنك سبعاً وأدِّبه سبعاً وآخِه سبعاً) وآخيه أي عامله كأخ لك وصديق أي في سن الرابعة عشر وهي مرحلة المراهقة، يدخل دخولاً في مرحلة الشباب فلابد أن نوسع صدورنا ونوسع آفاقنا لهذه المرحلة ونستغل الجوانب النفسية عند الشباب في هذه المرحلة، يحب أن يثبت ذاته ويحب أن يظهر رجلاً عنده طموحات، عنده عاطفة متأججة، نستغل أحلام البطولة هذه لنوظفها في الخير لا في الشر، ولذلك الصحابة، معظم أصحاب الرسول كانوا شباباً، بعضهم مثل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام حينما جاء الإسلام كانوا في العاشرة أو دون العاشرة، والآخرون كانوا أكبر قليلاً وأكبر واحد من الصحابة كان أبو بكر وكان عمره سبعة وثلاثون عاماً لأنه أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بما يقرب من ثلاث سنوات، وعمر أصغر بعشر سنوات وهكذا وعلي أصغر وأصغر فالمهم النبي صلى الله عليه وسلم وظف هؤلاء الشباب في خدمة الدعوة الجديدة وفي الرسالة الجديدة ونجد أتباع الأنبياء هكذا، قال الله تعالى عن أتباع موسى (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون..) ذرية أي نابتة جديدة، أصحاب الكهف الذين ذكرهم القرآن (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) فبالعكس الشباب هم أقرب الناس إلى اتباع الحق، الطفل عنده أنانية، لا يحب أن يأخذ شخص شي يخصه فهو يحرص عليها ويبكي دونها ويصرخ، أما الشاب ليست عنده هذه الأنانية التي عند الطفل، فالشاب أحسن حالاً من الطفل، وعنده كما قلت لك طموحات وأحلام وآمال، فالمهم من يوظف هذه القوة وهذه الجوانب المكنونة والمخزونة في نفسية الشاب للحق لا للباطل وللخير لا للشر وهذا ما فعله الأنبياء عليهم السلام وهو مافعله النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو واجبنا أن نستغل هذه الأشياء لخدمة أوطاننا لخدمة ديننا لخدمة قيمنا...

المقدم
فضيلتك ذكرت عمر بن الخطاب أيام ما كان شاباً، لكن عمر رضي الله عنه له مقولة لها علاقة بموضوعنا هذا، وذكرت في كلامك أن الشاب يريد أن يستقل ويريد أن يثبت نفسه، مقولة عمر أنهم (خلقوا لزمان غير زمانهم)، فتمر لحظات اصطدام بين الشاب وبين ذويه الذين درجوا في ثقافة أخرى وتعوَّدوا على عادات غير العادات، هل هناك نصائح ممكن تقديمها للآباء؟

القرضاوي
هذه مقولة هي مقولة لعلي رضي الله عنه وليست لعمر (لا تُكرهوا أولادكم على عاداتكم وعلى أعرافكم فإنهم خلقوا لزمن غير زمنكم) هذا في الأطفال الحقيقة وليس في الشباب، فالطفل وأنت تربيه وتنشئه لا تلزمه بأن يكون نسخة منك ومن عاداتك لان العادات والأعراف تتغير وهذه حكمة بالغة وبصيرة نيرة من علي رضي الله عنه أنه عرف أن الناس تتغير بتغير الأزمان والأزمان تتغير والأعراف تتغير فلا تُكره أولادك على الأشياء التي درجت عليها، وهنا نرى اختلاف الأجيال بعضهم مع بعض، فأنا شيء وأبي وجدي كانا شيئاً آخر، أولادي غيري الآن، رغم أنني الذي ربيتهم إنما أصبحت لهم تطلعات وأصبحت لهم مفاهيم وأصبحت لهم عادات غير ما نشأنا عليها ولا مانع من هذا ما دامت لا تصادم قيم الدين ولا أخلاق الدين ولا نصوص الدين فلا مانع من تغير هذه الأشياء وديننا يتسع لهذا التغير وهذا التطور، فهذه القضية هي مقولة في الأطفال وممكن أن تقال في الشباب أيضاً، لابد أن نراعي أن الزمن تغير وليس هناك داع أن نلزم الشباب بمثل ما كنت ألتزم أنا به تماماً لأن الوضع تغير، فلابد أن يكون عندنا مرونة في هذه الأمور بحيث لا نضع الشباب في قوالب حديدية، هناك بعض الناس يريد أن يضع أولاده كأنما يصبه في قالب لا يجوز الخروج عنه ويضع عليهم تعليمات..، ليست الأمور بهذه الطريقة، هناك ثوابت لا يجوز الخروج عليها وهناك متغيرات يجوز التسامح فيها ومن المهم جداً أن نفرق بين الثوابت والمتغيرات وخصوصاً في التعليم والتربية، ومن المهم فعلاً أن نستغل طاقة الشباب فالشباب طاقة، ولابد أن نوجد لها تصريفاً وإذا لم نصرفها في الحق سنصرفها في الباطل فلابد أن نهيئ للشباب ما يمكن أن يشغل به نفسه ولذلك من أخطر الأشياء التي يواجهها الشباب الفراغ، فراغ الوقت من العمل إذا انضم إليه فراغ النفس من الطموحات والآمال الكبيرة وفراغ القلب من التقوى وفراغ الرأس من العلم والفكر ولذلك يكون هناك خطر، وأبو العتاهية يقول
مفسدة للمرء أي مفسدة

إن الشباب والفراغ والجدة

شباب وفراغ وجدة أي المال، ولذلك الشباب في بلاد غنية مثل بلاد الخليج آباؤهم دائماً يعطونهم ما يطلبون من الأموال مع الشباب والفراغ هذا خطر كبير جداً فلذلك يجب أن نملأ هذا الفراغ، الفراغ هو في الواقع هو نعمة كالصحة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ" ولكن النعمة يمكن أن تنقلب نقمة إذا لم نستخدمها فيما خلقها الله لها، فلابد أن نحاول أن نوجد لهذا الفراغ ما يشغله، فكيف نشغل هذا الشباب، لابد أن نشغله بأشياء نافعة لنفسه ونافعة لأسرته ولمجتمع الخاص والعام ونافعة لدينه وهذا مهمة المربين ومهمة المفكرين ومهمة العلماء أن يهيئوا هذا للشباب وليس معنى هذا أن نعيّش الشباب كله في الجد فلابد أن نهيئ له أيضاً بعض اللهو
فاكشف سآمة جدّها بمــزاح

النفس تسأم إن تطاول جدّها

وسيدنا الإمام علي رضي الله عنه يقول "إن القلوب لتمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة إن القلب إذا أكره عمي"، ويقول أبي الدرداء "إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لها على الحق" فالنفس بحاجة لأن تستريح وأن تستمتع ببعض المباحات حتى تنشط وتقوى على السير الطويل فلابد أن نهيئ ذلك لشبابنا وهذا لا تقوم به الأسرة وحدها، كما قلنا بالنسبة للطفل الأسرة لا تستطيع أن تهيئ ثقافة مناسبة لوحدها، لابد أن يساعدها المجتمع على إنشاء مكتبة الطفل ونادي الطفل لابد أيضاً أن نهيئ مكتبة الشباب وأندية الشباب وعندنا الآن ما يعرف بمؤسسات رعاية الشباب وهذا أمر مهم جداً وفي كل بلد يوجد مثل هذه المؤسسات وتوجد وزارات للشباب ولكن رأيت للأسف أكثر هذه المؤسسات والوزارات تُعنى بجسم الشاب قبل أن تعنى بعقله وروحه كأن الإنسان هو عضلات فقط، وحتى أيضاً من هذه الناحية لا يهتمون بكل نواحي جسمه فهم يهتمون فقط مثلاً بلعبة كرة القدم، هل الإنسان هو البدن وحده وهل البدن حاجته الرياضة فقط وهل الرياضة تجسدت في الكرة فقط، لابد من التوازن ولذلك لابد من التربية التي نريدها للشباب تربية متكاملة، أن نربي جسمه بالرياضة ونربي عقله بالثقافة ونربي روحه بالعبادة و نربي خلقه بالفضيلة و نربي الجانب السياسي فيه بالتوعية ونربي الجانب العسكري فيه بالخشونة حتى ينشأ إنساناً قوياً متوازناً، لماذا الإسلام حرم على الشاب أن يلبس الحرير ويتحلى بالذهب؟

المقدم
فضيلة الشيخ كنت تود أن تقول لنا لماذا حرم الإسلام الحرير والذهب على الذكور؟

القرضاوي
لأن الإسلام يريد أن يحتفظ للرجل برجولته وللبنت بأنوثتها فلا تذوب الفوارق، الله خلق الزوجين الذكر والانثى فلا يجوز أن نؤنِّث الذكر ولا نذكِّر الأنثى ولا يجوز أن يتخنث الرجال أو يسترجل النساء فمن أجل ذلك جاءت هذه الحرمة فحرم على الشاب أن يتحلى بالذهب وأن يلبس الحرير الخالص واجاز ذلك للأنثى لأن طبيعتها التجمل إنما لابد أن يبقى الشاب محتفظاً بهذه الخشونة، ولذلك نقول أن التربية الحقيقية يجب أن نستبقي هذه الخشونة، هناك قصيدة للشاعر العربي الكبير محمود غنيم عن شباب العرب يقول فيها

ويا أشبال آساد غضـــاب


شباب العُرب يا زين الشباب

يحك بأنفه متن السحـــاب


أرى منكم فريقاً حين يمشي

وليس لدى الكريهة ليث غاب


كليث الغاب في صلف وكبر

وخالفهن في لبس النقـــاب


تفنن في محاكـاة العذارى

كان العذارى في القديم يلبسن النقاب أما الآن فلم يعدن يلبسن النقاب ولا الخمار، ومن ضمن الكلام يتكلم عن هؤلاء الشباب الغض الطري الرخو هذا فيقول
إذا ثار الغبار على الثيــاب

ولا يخشى على شيء ويخشى

لا مانع من الأناقة "إن الله جميل يحب الجمال" ولكن لا يكون هذا هو الهدف فنحن لا نريد الشاب الذي يقول فيه الشاعر
ولمس الحرير يدمي بنانه

خطرات النسيم تجرح خديه

هل يصلح هذا لمهمة؟ هل يصلح للدفاع عن أمة أو حرمة؟ لا يصلح، ولذلك نحن نريد التربية المتكاملة للشباب، ويجب أن يتعاون المجتمع مع الأسرة في هذا التكوين وفي هذه التربية حتى يستطيع الشباب أن ينهض بأعباء الأمة، الذي ينهض بآمال الأمم هي سواعد الشباب وهمم الشباب، ولا شك إذا ضاع الشباب ضاعت الأمة، فإذا أردت أن تعلم مستقبل الأمة فانظر ماذا يفعل شبابها، إذا كان شباب متسكع في الطرقات مهمته يغازل الغاديات والرايحات فإن هذه الأمة ليس لها مستقبل، إنما إذا رأيت الشباب مهتماً يملأ رأسه بالعلم ويملأ قلبه بالتقوى ويملأ حياته بالجد ويستفيد فهذا هو الشباب الذي يؤمل فيه الخير لنفسه ولأسرته ولأمته.

المقدم
ذكرت أنت الذكور والإناث وذكرت الطاقات التي يجب تصريفها في أوجه الخير وإلا قادت إلى الفساد وأيضاً ذكرت التربية المتكاملة، ما يميز دخول الشباب في مرحلة الشباب هو البلوغ الجنسي وبالتالي الشاب يلاحظ والفتاة تلاحظ على نفسها، أنت كعالم زرت البلاد، فضيلتكم التقيتم بشباب والتقيتم بآباء والتقيتم بأمهات، خلاصة تجربتك في هذه الحياة ما هي أحسن طريقة لإشعار الشباب بأهمية هذه المرحلة، مرحلة البلوغ الجنسي لدى الشباب؟

القرضاوي
أهم ما نستطيع أن نعالج بها هذه المشكلة أن لا ندع الشاب وحده، لا ندعه يعيش هذا الأمر وحده أو لأصدقاء السوء الذين قد يعطونه مفاهيم خاطئة أو مفاهيم منحرفة، فحاول أن توجد له البيئة الصالحة وهو يعيش في هذه البيئة وهي تعاونه على الخير، عندما كنا شباباً كنا مشغولين بالدعوة إلى الإسلام وبهموم الأمة وبتحرير الأوطان وبقضايا كبرى ما شعرنا بهذه الأزمة التي يشعر بها الكثيرون فإذا كان الشاب مشغولاً بهموم كبرى فهذه تجعله يفكر في هذه الهموم وفي هذه القضايا وينسى قضية البلوغ والشهوة والغريزة الجنسية وهذه موجودة، إنما لا تملك عليه نفسه ولذلك نجد النبي عليه الصلاة والسلام يشغل الشباب وخصوصاً الشاب الذي يرى فيه نوع من التألق فمن أول الأمر يصله بالجهاد، وكان الأمة لأنها أمة رسالة جديدة كان الشباب مشغولين بها حتى كان يتنافس بعضهم على بعض، الواحد منهم كان يمسك بالسيف ويقولون له أنت قصير فيرد أطيله بخطوة إلى أعلى أو بخطوة إلى الأمام، وسيدنا عبدالله بن عمر يأتي بنفسه لإحدى الغزوات ويقدم نفسه للرسول عليه الصلاة والسلام فيقول له ارجع أنت ما زلت صغيراً، ثم يقبله بالغزوة التي بعدها، وقبل رافع بن خديد، فيذهب سمرة إلى أبيه أو زوج أمه ويشكو له أن النبي عليه الصلاة والسلام أجاز رافعاً وردني وأنا أصرع رافعاً، فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال له يا رسول الله أنت أجزت رافعاً ورددت سمرة وسمرة يصرع رافعاً فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم تعالوا أمامي وتصارعوا فصرع سمرة رافعاً فقال لهما أجزتكما، انظر كيف يتنافسون على الجهاد، فلابد أن نوجد طموحات للشباب تشغله عن هذه الأمور ومع هذا عندنا أيضاً توجيه النبي عليه الصلاة والسلام "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ولذلك كان المسلمون في الأزمنة الماضية يزوجون أبنائهم وبناتهم صغاراً تحصيناً لهم، الآن لم يعد هذا ميسوراً لكل الناس خصوصاً مع التعليم لأن الولد يتعلم والبنت تتعلم فيقول هذا يشغلني وأيضاً من يريد الزواج يريد أن يكون له بيت خاص فكيف يكون له بيت خاص وهو ابن خمس عشرة سنة فهي عملية صعبة، كان في القدم يتزوج ويعيش في بيت العائلة، كل ما يحتاج إليه حجرة ويعيش مع أمه وأبوه وإخوانه وأخواته وأعمامه وعماته، فالحياة الحديثة ما عادت تسمح بهذا ولابد أن يؤخر الزواج قليلاً، ولكن لا يتأخر كثيراً يعني من سنة العشرين أو الثانية والعشرين عندما يتخرج الشاب من الجامعة نهيئ له فرص الزواج ونيسر أمر الزواج له، مشكلتنا أننا نضع العوائق والعقبات في طريق الحلال على حين أن الحرام كل شيء ميسر فيه، طريق الحرام مفتوح وطريق الحلال مغلق ومسدود وهذا على عكس ما يريده الشرع منا فلابد أن نيسر طريق الحلال ليتزوج الشاب في أول فرصة تتيسر له لنعصمه ونبعده عن ما يسخط الله تبارك وتعالى.

المقدم
فالمفروض هو تيسير الزواج للشباب ولكن إذا لم يتيسر الزواج فماذا يفعل الشاب في غريزته؟

القرضاوي
المفروض هو الإعلاء ونسمو بالغريزة عن أننا نشبعها بأي طريقة ولو بالحرام، فهذا ميزة المجتمع المسلم عن المجتمع الغربي أو ميزة الحضارة الإسلامية والأمة الإسلامية عن الحضارة الغربية، هناك الشهوات متاحة وأكثر من الشهوات للأسف مثل زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء والاستغناء بكل جنس عن الجنس الآخر وهذا ضد الفطرة التي خلق الله الناس عليها، لأن الله خلق الرجل محتاجاً إلى المرأة والمرأة محتاجة للرجل (بعضكم من بعض) أي المرأة من الرجل والمرأة من الرجل، هو يكملها وهي تكمله فلا يستغني أحدهما عن الآخر، وبهذا تبقى الحياة البشرية ويستمر النوع الإنساني أما إذا اكتفى كل جنس بجنسه ما بقيت الحياة ولا استمر هذا النوع فلابد أن نحاول أن نعلي الغريزة عند الشاب ونضع أمامه مثلاً عليا فيشغل نفسه بها وآمالاً كباراً ليس هناك بديلاً غير هذا، كما قلت لك أن الشباب في الحياة الإسلامية الأولى لأن الشباب مثل أسامة بن زيد سبعة عشر عاماً ويؤمِّره النبي عليه الصلاة والسلام على جيش، محمد بن القاسم بن محمد الثقفي، سبعة عشر عاماً ويقود جيشاً يفتح بلاد الهند ويقول الشاعر فيه

لمحمد بن القاسم بن محمــدِ


إن السماحة والمروءة والندى

يا قرب ذلك سؤدداً من مولدِ


قاد الجيوش لسبعة عشر حجة

محمد الفاتح كان عمره تسعة عشر سنة وهو يفكر في فتح القسطنطينية، لما آل إليه الأمر بعد أبيه فتحها وهو في الثالثة والعشرين من عمره، الإمام الشافعي أفتى وهو ابن سبعة عشر سنة، حسن البنا في عصرنا هذا أقام دعوة إسلامية كبرى وهو ابن العشرين أو الحادية والعشرين، لما كان يمتحنه معلموه في دار العلوم في الامتحان النهائي ويسألوه عما يحفظ من شعر فقال له الأستاذ أتحفظ معلقة طرفة بن العبد قال نعم قال ما البيت الذي أعجبك فيها فقال له
أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

إذا القوم قالوا من فتى خلت

فقالوا عن هذا سألناك، فنريد هذا الطموح في الشباب إذا الشاب طمح لهذا وشغل بهذا لن تشغله القضية الجنسية.

المقدم
الدكتور عبدالمجيد أهلاً بك، بحكم أنك طبيب نفسي وتتعامل مع شباب ومع حالات في أعمار حساسة قليلاً، ما هي دور المتغيرات الجسدية التي يعاني منها الشاب أو الفتاة في الاستقرار أو في الوصول إلى ما يتحدث عنه فضيلة الدكتور القرضاوي من طموحات عالية يجب أن نسمو بالشباب إليها؟ هل لهذه التغيرات أثر في نفسية الشباب؟

الدكتور عبد المجيد
نشكركم على موضوع الشباب فهم مستقبل الأمة كما تعلمون، هذا موضوع حيوي وطيب، عند الشباب والمراهقة وخاصة عند اندفاق الهرمونات الجنسية كما تعلمون بعد المراهقة فهناك طاقة قوية وحركة عند هذا الشاب وحسب الخلفية وحسب التربية السابقة كما أشار الدكتور العلامة يوسف القرضاوي حسب الخلفية والجو الإسلامي ممكن هذه الطاقة والنفسية القوية المتحركة في السنوات الأولى من الشباب أن تتجه اتجاهاً إسلامياً سليماً وإلا والعياذ بالله كما نرى في الشباب في الغرب عندنا في بريطانيا وللأسف في كثير من البلاد العربية والإسلامية حرمان وفقدان التحصين الديني الإيماني والإسلامي يعطينا آلاف ومئات الآلاف من المرضى النفسيين من الشباب الذين يغرقون بالمخدرات والكحول وبالانحرافات الجنسية العجيبة المنتشرة الآن خاصة.

المقدم
بعض العلماء الذين يدرسون هذه المرحلة يتحدثون عن فقدان ما يسمونه بالتآزر الحركي نتيجة اختلال الهرمونات يفقد الشاب القدرة على التحكم بأعضاء جسمه وبالتالي مثلاً الفتاة في بداية الدورة الشهرية الأولى قد تكثر من تكسير الصحون وإيقاع الأشياء من يدها مما يسبب لها التقريع واللوم، لو فهم الآباء أن هذا الأمر طبيعي لكان اللوم والحرج أقل على الفتاة.

الدكتور عبدالمجيد
إذا كنتم تشيرون إلى الشابات الآن فهذا موضوع مرافق لموضوع الشباب لا شك، في الغرب هناك موضوع بحث اسمه (Premenstrual tension) أي الضغط العصبي والنفسي قبل العادة الشهرية وربما بداية العادة، هناك حوالي أوصاف مئة عارض ما نسميه (Symptoms) من قلق من اضطراب من عنف من غضب وما شابه ذلك، هذه لا تحدث لكل الفتيات عادة تحدث لبعض من الفتيات وكثير من الفتيات كما وجدت في الغرب تحصل أشياء عجيبة تضطرب فيها الفتاة أو المرأة قبل العادة الشهرية ومع العادة الشهرية، ولكن بالنسبة لموضوع الشباب الرجال بالذات هو الهيجان الجنسي لأننا نعيش في مجتمع جنسي إباحي في الغرب وللأسف ينتشر في بلاد العرب والمسلمين فالإصابة الجنسية قوية والزواج غير مسهل وصعب في كثير من البلدان، الرسول عليه الصلاة والسلام قال بصراحة "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" فأنا أرى أن من أهم النقاط الكبرى لتهدئة الشباب لإعطائهم مستقبل رائع هي في إشباع هذه الغريزة الجنسية بالحلال طبعاً وتسهيل ذلك من الحكومة ومن الدولة ومن الوزارات حتى يستقر وترتاح هذه النفوس وتكون قوة فاعلة في المستقبل.

المقدم
فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي ذكرت مؤسسات رعاية الشباب وذكرت أن الأسرة وحدها لا تكفي في معرض السياق الأول، بتصورك الرديف للأسرة مثلاً وزارات التربية يفترض أننا نسلمها أبنائنا، فما تقييمك لما هو سائد في العالم العربي من تربية للشباب هل تخدم أم فيها نقاط ضعف؟

القرضاوي
نقاط الضعف في تربية الشباب وتكوينهم ورعايتهم تتمثل في عدة أشياء، أولاً كما ذكرت أن بعض أو أكثر المؤسسات التي تعنى برعاية الشباب لا تهتم إلا بجانب واحد هو الجانب الجسدي أنا الحقيقة أشكر رعاية الشباب في قطر أنهم اهتموا بالجوانب الأخرى غير الجوانب البدنية اهتموا بجانب الثقافة واهتموا بجانب الدين والرعاية الدينية وهذا أمر مهم إنما في كثير من بلادنا العربية ليس للدين ذكر وليس للثقافة ذكر ويشغلون الناس وكأن هذا أمر مقصود وخصوصاً بالبلاد التي ليس فيها حرية يريدون أن يشغلوا الناس بالاختلاف ولا يوجد اختلاف سياسي فيختلف الناس على الأندية هذا مع النادي الفلاني وذلك مع النادي الفلاني، فهذا قصور من هذه الناحية، من ناحية أخرى المسؤولين عن الجانب الديني، وزارة الشئون الدينية أو الأوقاف أو المساجد أو الدعوة أو المؤسسات العلمية الدينية لا تقوم بواجبها أيضاً في تعليم الدين الصحيح وفي إيقاظ عقل الإنسان المسلم على الإسلام كما أنزله الله وكما دعا إليه رسوله وكما فهمه الصحابة الفهم المتوازن المتكامل، أيضاً هناك شيء ثالث، أنه لا يوجد تناسق بين هذه المؤسسات بعضها مع بعض، فيمكن مثلاً أن أخطب خطبة في المسجد في موضوع ثم يأتي التليفزيون بمسلسل أو بفيلم أو بمسرحية تهدم هذا الأمر، المطلوب أن مؤسسات المجتمع أو مؤسسات الدولة تكمِّل بعضها بعضاً بحيث لا يبني هذا ويهدم ذاك، وإلا لن نصل إلى نتيجة، الشاعر العربي يقول
إذا كنت تبنيه وغيرك يهــدم

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه

لا يمكن وخصوصاً أن الهدم أسهل من البناء، أيضاً الشاعر يقول
فكيف ببان خلفه ألف هادم

ولو ألف بان خلفهم هادم كفى

يعني ألف واحد يبني يقدر واحد فقط أن يهدم ما يبنيه الألف فكيف إذا كان الأمر بالعكس خصوصاً في عصرنا نجد الهدم ليس بالفؤوس والمعاول الهدم بالألغام وهذا في الماديات والمعنويات لأن الهدم الآن سهل جداً وبآلات جبارة تستطيع أن تنقل الشر بسرعة وتشعل النار في الآفاق فلابد أن يكون عندنا مقاومة على مستوى هذا الهدم فهذه الجهات المختلفة، التربية والتعليم التي تأخذ الطفل من الحضانة إلى الجامعة،الإعلام الذي يدخل على الناس بيوتهم ومخادعهم هذا أيضاً عليه مسؤولية.

مشاهـد من تونس
بالنيابة عني وعن كثير من الأخوة التونسيين أردنا أن نعتذر عما صدر من بعض الذين اتصلوا من تونس وأساؤوا الأدب ونريد أن نؤكد لفضيلة الشيخ أن هؤلاء ليسوا إلا شواذاً لا يُقاس عليهم ولا أدل على مكانة الشيخ في قلوب التونسيين من الإقبال الشديد على هذا البرنامج الذي يشغل حديث الناس صباح الاثنين في كل النوادي والإدارات والمعاهد.
سؤالي يتعلق بأهمية الرمز في تربية الشباب، وفي هذا الإطار لا يخفى على فضيلتكم الدور الذي تلعبه الصور في صياغة الرأي العام وصناعة الرموز خاصة في الغرب، وحتى وصل الأمر أيضاً إلى صناعة الحكام والملاحظ رغم هذا أن الاجتهاد الإسلامي ما زال قاصراً في هذا المجال، فالسينما والتليفزيون ما زال يُنظر إليهما بحذر شديد ولم تتحول بعد في الأدبيات الإسلامية إلى وسيلة لنشر الدعوة ثم من ناحية أخرى يمنع تصوير الرموز الإسلامية كالصحابة فضلاً عن الأنبياء مما يسبب فقراً كبيراً في المادة الإسلامية وتقصره على دروس ومواعظ لا تشد الشباب رغم أهميتها، فما رأيكم فضيلة الشيخ في ذلك؟

المقدم
عندي فاكس من أخت مشاهدة من بوخاريست في نفس الموضوع، يبدو أنها فنانة ومهتمة بجانب الرسم وهي باختصار مع الأخ، وهو أن نقدم هذه النماذج وذكرت مثل التي ذكرت للأنبياء مثل إبراهيم وإسماعيل ومحمد عليه الصلاة والسلام لكن هناك حرج شرعي كبير من استخدام الآلات السمعية والبصرية ونحن الآن نعيش في عصر السمع والبصر يعني لم يعد الحديث الشفهي هو الأساس، كيف نخرج من إطار الحساسيات في تقديم هذه الرموز في الأطر الصورية الجديدة لصناعة رموز تقدم للشباب؟

القرضاوي
كل حضارة لها خصائص معينة، الحضارة الغربية حضارة تقوم على الحس والتجسيد الحسي ولذلك عندها التماثيل وهذا موجود حتى عند المسيحيين، اليهود ليس عندهم التصوير والتماثيل، المسيحية هي التي عندها هذه، فالمسيحية والرومان من قديم لأن الحضارة الغربية هي وارثة الحضارة الرومانية والحضارة اليونانية وهذه حضارات وثنية والوثنية تقوم أساساً على التجسيد، الوثنية عبارة عن صنع الإله وتجسيده ونحته، أما حضارتنا العربية الإسلامية تقوم على غير ذلك، نحن نعرف حاتم الطائي، هل رأيت حاتم الطائي؟ هل صنع له العرب تمثالاً؟، لا، إنما تحدثوا عن كرم حاتم الطائي، تحدثوا عن شجاعة عنترة وشهامة عنترة ولم يصنعوا له تمثالاً إنما حكوا شعره

إن كنت جاهلة بما لم تعلمــي


هلا سألت الخيل يا ابنة مالك

أغشى الوغى وأعف عند المغنم


يخبرك بمن شهد الوقيعة أنني

أنا أحضر المعركة إنما ساعة الغنيمة أتركها ويقول
حتى يواري جارتي مأواهــا

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي

بهذا خلدنا عنترة، عرفنا بأن عليّ بن أبي طالب من شجعان الأمة وفرسانها وحكمائها إنما لم نصنع له تمثالاً ولا لعمر بن الخطاب ولا لمحمد عليه الصلاة والسلام، نحن نستطيع أن نحيي هذه الرموز بغير التمثيل، الغربيين عندهم لا يمكن ذلك إلا بالتصوير .. لا، وما الذي يعني أن تحضر واحد شكله بدوي عربي وتعمله عمر بن الخطاب، الصورة التي رسمتها في ذهني لعمر بن الخطاب أعظم من ذلك بكثير إنما تأتي بممثل ثم بعد ذلك يمثل في فيلم سيئ.. ولذلك أنا لا أوافق على تمثيل الأنبياء ولا تمثيل كبار الصحابة، هناك أنا سمعت أن أناساً من الأزهر الآن أباحوا هذا أما أنا لا أبيح هذا رغم تيسيري إنما أنا أرى أن أبقي الصورة الذهنية العالية التي رسمت في مخيلتنا لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ولخديجة رضي الله عنها وعائشة وأم سلمة وأمهات المؤمنين الذي أفتى علماء المؤمنين بأنه لا يجوز لهؤلاء تصويرهم وتمثيلهم وأفتوا أنه يجوز لمن هم دون ذلك، إنما الرسول عليه الصلاة والسلام والأنبياء وأمهات المؤمنين وكبار الصحابة مثل الخلفاء الأربعة لا يجوز تصويرهم وأنا مع هذا.

المقدم
عندي سؤال من شاب، يقول أن الشاب في المرحلة الثانوية إذا اعترف بجريمة قتل لم يقترفها وإنما لإنقاذ أحد أبويه فهل يؤجر على ما فعل وهو يعلم أنه سيجسن، فرأفة بحال أحد أبويه من دخوله السجن، فهل يثاب على ذلك أم أنه يأثم؟

القرضاوي
هل الأب قتل عمداً؟ إذا كان قتل عمداً يجب أن يأخذ جزاءه، لأنه أن ينسب إلى نفسه ذنباً كبيراً مثل جريمة القتل وقد يضر هذا بمستقبله إلى آخره، يعني إذا كان الأب قد ارتكب جريمة القتل فهذه جريمة ضخمة وأنه (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) فيجب من فعلها يأخذ جزاءه ولا تزر وازرة وزر أخرى وليس المطلوب من الابن أن يحمل وزر أبيه بالكذب.

المقدم
مشاهدة من الدوحة تسأل، في هذا الجو الذي نعيشه يشعر الشاب الملتزم بضيق شديد حيثما التفت فهل هذا شعور طبيعي وهل يجب أن نشعر به أو يشعر بها المسلم في مثل هذه الأجواء التي يعيشها الإسلام اليوم؟

القرضاوي
الشعور طبيعي إذا كان لا يجد الدين يأخذ حقه في الحياة،بعض البلاد المسلمة التي تمنع الحجاب فلابد للإنسان أن يشعر بضيق، الذي يضيَّق عليه في إقامة شعائر دينه، الذي يضيَّق عليه في دعوته إلى الله، حينما يرى بلداً مثل الشيشان يضرب بالطائرات من فوق وبالصواريخ من تحت وبالدبابات ولا يجد من يحتج على ذلك، يجد صمتاً من بلاد الإسلام عامة، لا يجد من يصرخ في وجه هؤلاء ويقول لهم حرام عليكم هؤلاء المستضعفون، فمن الطبيعي أن يضيق، من لم يشعر بهذا الضيق فلابد أن يكون عنده خلل ومرض، الطبيعي أن الإنسان يشعر بالهموم وبالضيق "يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء ذلك بما يرى من المنكر ولا يستطيع تغييره" يرى أشياء ولا يستطيع أن يغيرها، هذه ظاهرة صحية وليست مرضية.

المقدم
عندي سؤال بالفاكس متعلق بالتصوير، صحيح أنه قد نختلف ثقافياً عن الغرب في أننا نعتمد على الصورة الذهنية وهم يعتمدون على الماديات والحسيات بحكم تاريخهم المسيحي الغربي وثمة وجود في الثقافة المسيحية للتماثيل، لكننا نخسر الكثير من الشباب، أنت ذكرت الخليعين من المطربين مثل الفيديو كليب، شباب المسلمين بأغلبيتهم القاطعة والكبيرة يقبلون عليه، فيها صور متحركة سريعة ولهذا تنجح نجاح لم يشهده الناس، فأمام التحدي هذا من هذه الهجمة فنحن نخسر الكثير من الشباب عن طريق هذه الأشياء، فسؤال الأخ كأنه تحفظ على ما جاء في ردك على السؤال السابق بالنسبة لتصوير وتمثيل الأنبياء والصحابة، أنت قلت أننا لم نر حاتم الطائي لكن ثمة صورة لحاتم الطائي،لم نر عنترة ولكن ثمة صورة له..

القرضاوي
هل لو مثلنا عمر بن الخطاب سيقبل الشباب عليه؟، هذا من سوء التوجيه، هذا لأن الشباب مسلط عليه أجهزة غسلت دماغه من الإسلام وملأته بأشياء أخرى، هناك غزو فكري إعلامي ثقافي تربوي، نتيجة هذا هو الإقبال على هذا، فلابد أن نصلح هذه الأدوات من جديد، الشاب إذا وجد الطريق أمامه أقبل على الإسلام بالفطرة، إذا دعوناه إلى الإسلام الصحيح لا نكلفه شططا ولا نرهقه عسرا نحن ندعوه للاستقامة وندعوه إلى الاستمتاع بالحياة لأن الإسلام ليس دين زهد مطلق ولا يحرم عليه الطيبات، يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، هذه هي الحياة الإسلامية، لو أحسنَّا عرض هذا على الشباب لأقبل الشباب علينا إنما نحن لا نتيح هذا للشباب، كثير من الأدوات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية لا تتيح هذا للشباب إنما تتيح الوجه الآخر فقط، لا يوجد توازن، فالمفروض أن الإسلام هو الذي يكون غالباً، الإسلام للأسف يأخذ ركن ضيق في الحياة، يأخذ الصفحة الدينية في الجريدة وبعض البلاد تكون هذه الصفحة الدينية يوم في الأسبوع، يعني في يوم الجمعة واسمها الصفحة الدينية وليست الصفحة الإسلامية أو التراث أو القيم الروحية فأحياناً لا يريدون أن يسموها باسم الإسلام، ثم عندك الحديث الديني في الإذاعة أو في التليفزيون والأحوال الشخصية في القانون وحتى أن بعض هذه سطا عليها القانون في بعض البلاد حرموا على الناس الطلاق وحرموا على الناس تعدد الزوجات وفي بعض البلاد ساووا بين الذكر والأنثى في الميراث، حتى الأشياء الأساسية جاروا عليها، أين موضع الإسلام إذا كنا نريد أن نرد الشباب إلى دينهم رداً جميلاً لابد أن نتيح للتوجيه الإسلامي الصحيح المتوازن نتيح له الفرصة في الصحيفة التي تُقرأ وفي الإذاعة التي تذيع وفي البرامج العامة في التلفازات والقنوات الفضائية فهذا لابد منه، وأنا أرى أننا نركز على الشباب الضائع وهناك شباب ملتزم ولكنه أيضاً في حاجة إلى توجيه فهؤلاء الشباب الغلاة الذين يسمونهم المتطرفين أو دعاة العنف أو الإرهابيين وهذه حقيقة موجودة ومشكلة أخرى تحتاج إلى حل، يعني ممكن الشاب يترك هذا ويدخل في العنف ويدخل في الغلو فيضيع من ناحية أخرى، إما يضيع بالتفريط أو الإفراط ونحن لا نريد من الشباب لا أن يضيع في هذا الجانب ولا أن يضيع في ذلك، نحن نريد الطريق الوسط، والصحوة الإسلامية الحمد لله ردت ملايين من الشباب والشابات إلى دينهم، نحن نركز على الشباب الذكور مع أن الشابة أيضاً لها مكانها في حديثنا هذا لأن الفتيات أيضاً مثل الفتيان تماماً في نظر الإسلام.

مشاهدة
هل ممكن للأب أو الأم أن تثقف الشباب جنسياً؟ وكيف يتم ذلك؟

القرضاوي
هذا يحتاج إلى جو إيجابي، أنا أقول لك مثلاً زمان كان المشايخ في المساجد يدرّسون الفقه ويدرّسون الوضوء والغُسل ويأتي في هذا ما خرج من السبيلين، مس الذكر، لمس المرأة، موجبات الغُسل خروج المني، ويشرح الشيخ هذا للناس الموجودين ومنهم شباب ويمكن منهم نساء موجودين إنما في جو من الجدية ليس فيه أي إثارة، نحن جئنا في وقت من الأوقات أحطنا هذا الموضوع بالغموض الكامل ولا يستطيع أحد أن يتكلم فيها حتى المرأة لا تكلم ابنتها أحياناً في هذه الأمور وتبلغ البنت وتواجه بالحيض مثلاً ولا تعرف ماذا تفعل في هذا الأمر لأنها لم تأخذ الثقافة فلابد تعليم الشباب أن الله خلق الذكر والأنثى وجعل لكل منهما حاجة ولولا هذا ما استمرت الحياة، فالتزاوج معناه أن الرجل يحتاج لامرأة أو المرأة تحتاج إلى رجل ثم نريهم مثلاً ماذا يحدث في عالم الطيور أو في عالم الحيوان مثل الدجاجة والديك أو النعجة والكبش، هذه الأشياء تحدث أمامهم ويرونها ونبين لهم أن هذا أمر أراده الله سبحانه وتعالى ليستمر أي جنس من الأجناس أو أي نوع من الأنواع وهكذا، المهم أن يشرح هذا الأمر بجدية وإيجابية وبأسلوب مقبول وبلا تكلف وفي مناسبته حينما تأتي مناسبته، أخونا الأستاذ عبدالحليم أبو شُقَّة له كتاب معروف اسمه (تحرير المرأة في عصر الرسالة) وهذا من أعظم الكتب التي ألِّفت عن المرأة وعن الأسرة في عصرنا وهو من ستة أجزاء، الجزء السادس منه عن الثقافة الجنسية والتربية الجنسية، أنصح الأخت وأمثالها ممن يهتمون بهذا الجانب أن يقتنوا هذا الكتاب وأن يقرأوا الجزء السادس من هذا الكتاب لأنه خاص بهذا الموضوع ومفصل فيه وجاء فيه بالآيات والأحاديث لأنه حتى القرآن لم يغفل هذا الأمر فقال (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم)، (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم وقدموا لأنفسكم..)، القرآن ذكر هذا مما يدل على أنه ما دام الأمر جاء في جو من الجد والوقار والأدب فلا حرج أن يتناول إطلاقاً.

مشاهد من سويسرا
في الغرب عندنا مساجد ومراكز إسلامية نعلم أولادنا فيها ولكن عندما يخرجون إلى الشارع والمدرسة يحتكون بالشباب الغربي ويختلطون معهم، هل هذا سليم وهل هناك بديل آخر وهل يمكن ترك شبابنا أن يختلط بالشباب الغربي ويتعلمون ويأخذون منهم سلوكياتهم ويؤثر ذلك على لغاتهم، هل هذا سليم وماذا نفعل؟

القرضاوي
لا يمكن أن تمنع الشاب من أن يختلط بأقرانه خصوصاً في المدرسة والشارع ولكن لابد أن نكمل هذا بتحصين الشاب بالثقافة الإسلامية وبالتربية الإسلامية وبالعيش في ظل مجتمع إسلامي وهذا هو الذي قلته أننا نحاول أن ننشئ مجتمعاً إسلامياً صغيراً داخل المجتمع الآخر الكبير وذكرت في الحلقة الماضية على ما أذكر حارة اليهود، نحن نريد حارة المسلمين، المسلمين يكون لهم مجتمعهم بحيث يجد الشاب المسلم شباباً مسلمين يصادقهم ويصاحبهم، إنما إذا لم يجد أحداً فلن يجد إلا الآخرين، لا مانع من أن تصاحب الآخرين ولكن يكون الأصدقاء الأساسيين من أبناء الإسلام فلابد أن نعينهم على هذا بإيجاد البيئة الإسلامية الصالحة التي ينشأ فيها هؤلاء ويتربون بعضهم مع بعض لأن الطفل يتعلم من الطفل والشاب يتعلم من الشاب والفضائل تعدي والرذائل تعدي
كما يعدي السليــم الأجربُ

واحذر مصاحبة اللئيم فإنها تعدي

فنحن نحاذر هذا الجرب بإيجاد الأصدقاء الطيبين والأصحاب الخيرين.

المقدم
هناك سؤال في نفس الموضوع بالفاكس من أخت تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً ويبدو من شكل الكلام أنها أيضاً تعيش في العالم الغربي، السؤال، ألا ترون أنه عندما نحرم الاختلاط بين الذكور والإناث فإننا نحرم الشباب من الاختيار الحر في اختيار رفيق العمر زوجة أو زوج؟

القرضاوي
لا يوجد شيء في الإسلام اسمه اختلاط، اختلاط كلمة دخيلة على القاموس الإسلامي، لأن معنى كلمة اختلاط مثل المخلوط الكيميائي، مثلما تضع السكر أو الملح في الماء فيذوب، هذا اسمه خلط، فالاختلاط بهذا المعنى لا يقبل إنما هناك لقاء بين الرجال والنساء، وهذا الإسلام شرعه في مناسبات شتى ما دام له أسبابه ودواعيه مع ضوابطه وقيوده فلا حرج منه، وكان النساء يحضرن مع الرجال في المسجد هل عُرف في تاريخ الإسلام مسجد للنساء؟، لا يوجد مسجد للنساء النساء مسجدهم مع مسجد الرجال، فكانوا يحضرون الصلاة مع النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن بين الرجال والنساء حاجز لا من خشب ولا من بناء ولا من قماش ولا أي شيء من هذا وكن يحضرن حلقات العلم وجلسات العلم مع النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنهم لم يكتفين بهذا وطلبن من النبي عليه الصلاة والسلام أن يخصص لهن يوماً لأن لهن أسئلة خاصة مع الحضور المشترك أيضاً، أيضاً المرأة تحضر في الحج وتطوف بالبيت وتسعى بالصفا والمروة مع الرجال وفي العمرة كذلك، فلا مانع من هذا الاشتراك بين النساء والرجال، الممنوع ثلاثة أشياء، الخلوة "فلا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعهما محرم"، التبرج أن المرأة تخرج بالأحمر وبالأخضر وتخرج متعطرة وكاشفة رأسها ونحرها وذراعيها وساقيها وتكلم الرجل، التماس ومعناها أن يجلس الرجل بجانب المرأة ويلصق جسده بجسدها هذا ممنوع، إنما إذا التقوا في مكان عام لا يوجد مانع، وأنا حينما حضرت في أمريكا وأوروبا وجدت بعض الشباب المتشددين يحولون بين الشباب والشابات أو بين الرجال والنساء، فمثلاً يبنون فندق للرجال وفندق للنساء، حتى أن مرة سافرت ومعي زوجتي فأخذوا زوجتي ووضعوها في فندق النساء، فقلت لهم أنتم تفرقون بين المرء وزوجه، وهناك مصاعد للرجال ومصاعد للنساء، ومصعد النساء لا يركب فيه المسلمون من الرجال ولكن يركب فيه الأمريكي فهل نترك الأمريكي يصعد فيه مع النساء ونمنع المسلمون من الرجال، ثم هم يلتقون في السوق وفي الجامعة وفي الطريق وفي المعسكر أو المخيم الإسلامي الملتزم، فهذا تشدد وأنا لست مع هذا التشدد وأنا قلت لهم يا أخي اتركوا الناس يتقابلون يمكن يرى شاب فتاة فتعجبه ويشرح الله صدره لها فيسأل من هذه فيقولون بنت فلان فيربط الله رأسين في الحلال كما يقول، فالممنوع كما قلنا هو الخلوة والتماس والتبرج.